وقفات مع الخليفة نور الدين محمود
اتفقوا على كونهم أربعة من الخلفاء الراشدين ، وتجاوزوا فترة زمنية ليست بالطويلة ليضيفوا إليهم عمر بن عبد العزيز كخليفة خامس ، ثم مرت سنون كثيرة ليختلفوا هل يعد نور الدين محمود هو الخليفة الراشد السادس أم لا ؟
الحق أن في سيرة هذا الرجل ما يدعو إلى التوقير والدراسة والبحث ، ويكفينا فخراً أن تتعطر ألسنتنا بذكر بعض مواقف هذا الرجل الصالح ، فلقد هب كما يهب المارد ليحرر المسجد الأقصى من دنس الحملات الصليبية... لكننا نقتطع من سيرة هذا الرجل بعض -وليس كل- ما تذكره كتب التاريخ من مواقف للسلطان نور الدين محمود.
(1) لا تعاملنى إلا معاملة الخصوم
رأى يوماً رجلاً يحدث آخر ويومئ إليه فبعث الحاجب ليسأله ما شأنه ، فإذا هو رجل معه رسول من جهة الحاكم ، وهو يزعم أن له على نور الدين حقاً يريد أن يحاكمه عند القاضي ، فلما رجع الحاجب إلى نور الدين وأعلمه بذلك أقبل مع خصمه ماشياً إلى القاضي وأرسل نور الدين إلى القاضي أن لا تعاملني إلا معاملة الخصوم . فحين وصلا وقف نور الدين مع خصمه بين يدي القاضي حتى انفصلت الخصومة والحكومة ولم يثبت للرجل على نور الدين حق ، بل ثبت الحق للسلطان على الرجل ، فلما تبين ذلك قال للسلطان : إنما جئت معه لئلا يتخلف أحد عن الحضور إلى الشرع إذا دعي إليه فإنما نحن معاشر الحكام أعلانا وأدنانا خدماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولشرعه . فنحن قائمون بين يديه طوع مراسيمه فما أمر به امتثلناه ، وما نهانا عنه اجتنبناه ، وأنا أعلم أنه لا حق للرجل عندي ومع هذا أشهدكم أني قد ملكته ذلك الذي ادعى به ووهبته له.